قالت كاتبة العمود السياسي بروس آندرسون في مقال نشرته لها صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إنها التقتسيف الإسلام القذافي قبل عامين، وتشكلت عندها قناعات حول الرجل بأنه شخص ذو سلطة، وأنه شخصية معقدة.
ورغم أنه كان جديا بطريقة تنم بوضوح على أنه مهيأ ليكون الحاكم القادم لليبيا، فإنه لم يكن يبدو سعيدا.. ولم يكن ذلك مفاجئا، فقد نشأ وفي فمه ملعقة من ذهب، ومن الطبيعي أن يفتقر أي شخص نشأ بهذا الشكل إلى الثقة بالنفس.
تقول الكاتبة إن سيف الإسلام -الذي تهافتت على لقائه شخصيات عالمية في منتدى دافوس- دأب على القول بأنه يؤيد تغييرا جوهريا في ليبيا، ولم يدّع أن الليبيين يتمتعون بالديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وهذا يبدو بعيدا كل البعد عن الخطاب الهادر الذي ألقاه مؤخرا.
وتروي الكاتبة قصة التحضير لمقابلة سيف الإسلام، وتذكر أنها قالت لمستشاريه إنها تنوي الضغط عليه بأسئلة صعبة مثل طول مدة حكم والده، وإنها تفضل أن يكون اللقاء في لندن وليس طرابلس.. أخذ مستشاروه الطلب وحيثياته ولم يسمع منهم أحد أي رد.
الكثيرون قد يتمنون اليوم لو أنهم لم يقابلوا سيف الإسلام، ولكن الكاتبة تقول إنها لا ترى سببا لأن يلوم توني بلير أو بيتر ماندلسون أنفسهم.. على الدوام، كانت الشكوك تحوم حول شخصية سيف الإسلام وأنه ليس أهلا ليخلف والده.
سيناريو الهروب
قال لي صديق دبلوماسي حصيف إنه إذا تسلم سيف الإسلام الحكم، فعليه أن يتيقن دوما بأنه لا يبعد أكثر من 40 دقيقة عن طائرة نفاثة خزانها مملوء بالوقود بشكل كامل مع طاقم مدفوع له بسخاء، إذ لن يمر وقت طويل قبل أن يهرب طلبا للنجاة.
ورغم ذلك -تقول الكاتبة- وقبل شهر واحد، كان الرجل العجوز (القذافي) يبدو آمنا، وسيف الإسلام كأنه صاحب الدور المستقبلي. لم يكن أحد يتنبأ بأن نظام القذافي سيتفكك فجأة وتنزلق البلاد إلى العنف والجنون.
وتمضي الكاتبة إلى القول إنه والوضع كذلك، كان من الطبيعي التحدث إلى آل القذافي. بعض المعلقين يتحدثون وكأن البراغماتية الغربية والواقعية السياسية الغربية هي المسؤولة عن احتفاظ معمر القذافي بالسلطة.. هذا هراء.
وترى أن السياسة الخارجية لا بد أن تتعامل مع العالم كما هو، لا كما نود أن يكون.
الإطاحة بالقذافي
في ثمانينيات القرن الماضي، سخرت بريطانيا وأميركا وقتا كثيرا للتفكير في كيفية الإطاحة بالعقيد القذافي، ولكن بدون جدوى. "الاحتواء أو السحق" كان ذلك واحدا من ثوابت تشرشل الحكيمة، وإذ لم نتمكن من سحق القذافي كان حقا علينا احتواؤه والتعامل معه، وقد أثمر ذلك منافع كثيرة.
مرة أخرى في ثمانينيات القرن الماضي -تقول الكاتبة- كان العقيد القذافي يمول الإرهاب بشكل عام وإرهاب الجيش الجمهوري الإيرلندي بشكل خاص.. كنا تقريبا في حالة حرب غير معلنة مع ليبيا، وبلغت ذروتها في لوكربي. خلال التسعينيات خفت التوترات تدريجيا، ولم يكن هناك مزيد من الدعم للإرهاب، وبدلا من ذلك، كانت هناك إمكانية للروابط الاقتصادية.
وترى الكاتبة أن لا حرج في ذلك، حيث العلاقات الاقتصادية مع ليبيا ستجلب الأرباح وفرص العمل لبريطانيا، في حين تصبح ليبيا ملتزمة بنظام تجاري دولي. كانت تلك هي النظرية، إلا أن التطبيق كان صعبا.
إحباط وتوتر
وتنقل الكاتبة عن معارفها الذين حاولوا القيام بأعمال تجارية في ليبيا حكايات لا نهاية لها عن الإحباط والتوتر الذي عانوا منه.. كان كل شيء يبدو كأنه على ما يرام، حتى قطب الرجل العجوز حاجبيه، وزجّ بشركائهم المحليين في السجن، وضاع تعبهم وتذاكر الطيران وفواتير الفنادق وذهبت إلى لا شيء.
ليس من السهل التعامل مع بلد مزاج زعيمها لا يكون جيدا -في أحسن الأحوال- إلا لبضعة أيام. مع ذلك فقد كان الأمر يستحق المحاولة، ففي يوم ما ستكون ليبيا في الاتجاه الصحيح وتتمتع باقتصاد مزدهر للغاية.
وفي إطار السعي لتحقيق تلك الأهداف، كان من الصواب الإفراج عن المتهم بتفجير لوكربي عبد الباسط المقرحي.
وتختم الكاتبة مقالها بالقول إنه في نهاية الأمر هناك نقطة جوهرية، فضمن خطوات ابتعاده عن الإرهاب، تخلى القذافي عن أسلحته للدمار الشامل.. لنتخيل ماذا كانت العواقب ستكون اليوم لو أنه نجح في تطويرها.
وعلى الرغم من أن يديه تغرقان في الدماء اليوم، فإن أولئك الذين تورطوا في التعامل معه من أجل المصالح التجارية والمالية والنفطية، ليسوا بحاجة لأن يقدموا اعتذارهم.