يرسم خبراء وإستراتيجيون عراقيون صورة مضطربة للأوضاع في العراق في ضوء تصاعد حدة المظاهرات في غالبية المدن العراقية ومجابهة المتظاهرين بالقوة من قبل السلطات الحكومية مما أودى بحياة البعض واعتقال العشرات.
ورغم ذلك يؤكد منظمو هذه المظاهرات على استمرارها، فيما لم يصدر من الجانب الحكومي ما يشير إلى احتمال الكف عن استخدام القوة في التصدي للمتظاهرين أو إطلاق سراح المعتقلين.
ويقول المفكر والخبير الإستراتيجي الدكتور عبد الحسين شعبان إن المعطيات المتوفرة في الوقت الحاضر تشي باختلال في توازن القوى، فضلاً عن محاولة كبح جماح الاحتجاجات.
ويرى شعبان أن تلك المحاولة تنم عن حركة استباقية من جانب رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي أوعز لأوساط في المرجعيات الدينية لاتخاذ مواقف غير معلنة حالت دون اشتراك مجاميع سياسية وقوى دينية وجماعات حزبية في تلك المظاهرات.
تأجيج المشاعر
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الخبير العراقي إلى أن الحركة الاحتجاجية ما هي إلا تعبير عن حالة الاحتقان التي يعاني منها الشارع العراقي في ظل التقاسم الوظيفي الطائفي والإثني، وتفشي فضائح الرشى والفساد الإداري والمالي، واستمرار انقطاع الخدمات بدرجة غير معقولة.
ويتوقع شعبان أن يؤجج هذا الأمر لاحقاً مشاعر شعبية غير سياسية لكنها تطمح في تحسين الوضع بعد وعود كثيرة سمعتها من الحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الثماني الماضية.
ويضيف أن الوعود التي أُطلقت إبان الانتخابات الأخيرة قبل عام تقريباً لم تر النور بعد، الأمر الذي يضفي ظلالا من الشك حولها، ويوحي بعدم الثقة بين الجماعات السياسية بل يساعد في استمرار الاضطراب السياسي وتفكك أجهزة الدولة وغياب مرجعية مسؤولة.
ويقول الباحث والخبير الإستراتيجي العراقي الدكتور هيثم الناهي للجزيرة نت إن حالة الهياج لدى الشعب العراقي لها عدة أسباب منها: أن هناك فرقا شاسعا بين من يحكم العراق وبين الشعب علما بأن أعمار المتظاهرين لم تتجاوز الثلاثين سنة.
وأضاف أن من شأن ذلك أن يبعث برسالة إلى الحكومة بأن أولئك المتظاهرين فئة غير مسيسة ولا تنتمي إلى أي جهة حزبية أو سياسية.
أما السبب الثاني –كما يقول- فهو أن منع التجول وفرض الدوام يوم الجمعة على موظفي الدولة وإغلاق الطرقات ونشر قوات الجيش بهذه الكثافة يؤشر إلى أن الحكومة تشعر بقلق ولديها مخاوف نتيجة الفساد الكبير وعدم تحقيق أي مطالب للمواطن.
شعارات وطنية
ويتوقع الناهي أن تتزايد أعداد المتظاهرين في الأيام القليلة القادمة وستتفاقم كما حدث في تونس ومصر، وهو ما سيؤدى إلى تدخل العامل الدولي والأممي فيها.
ووفقا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور حميد السعدون، فإن مظاهرات يوم الجمعة أكدت فقدان الجهات السياسية والمراجع الدينية لتأثيرها على الشارع العراقي.
ويشير السعدون إلى أن مظاهرات الجمعة تجاوزت حاجز الطائفية أو ما فوق الطائفية بدليل أن جميع الشعارات كانت وطنية، وهذا ما لا تستطيع الحكومة أن تتفهمه.
ويتكهن الأكاديمي العراقي بأن يثمر هذا الشعور الجمعي في القادم من الأيام رؤية وطنية تعبر عن مستقبل البلاد.
ويمضي في توقعاته إلى القول إن المظاهرات ستتطور وسيتحول شعارها من إصلاح النظام إلى إسقاط النظام.
نقطة اللاعودة
وتقول مديرة المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية د. وصال العزاوي، إن مظاهرات جمعة الغضب في العراق حملت شعارات تفاوتت بين المطالبة بتوفير الخدمات وفرص العمل ومكافحة الفساد وبين إصلاح الدستور.
ثمة قاسم مشترك أجمعت عليه تلك المظاهرات وهو الاستياء من الأداء الحكومي والوصول إلى نقطة انعدام الثقة في الحكومة خلال السنوات الثماني الماضية، على حد تعبير العزاوي.
وتؤكد أن التعامل اللا حضاري للحكومة مع المتظاهرين من خلال قمعهم واستخدام الرصاص الحي والاعتقالات وعدم احترامها للدستور، الذي ينص على حرية التظاهر، سيؤدي إلى ازدياد هذه المظاهرات وتصاعد سقف مطالبها خلال الأيام القادمة.