في خطاب تسلمه جائزة نوبل وصف أوباما الحروب بأنها تجسيد لحماقة الإنسان (غيتي)
نشرت
صحيفة دايلي تلغراف مقالا لكاتب العمود ماثيو دانكونا يحث فيه الرئيس
الأميركي باراك أوباما على أن يحذو حذو رئيس الوزراء البريطاني ديفد
كاميرون في التوجه نحو فرض حظر للطيران على ليبيا دون انتظار الغطاء
الأممي.
يقول
دانكونا إن من الطبيعي أن يفضل كاميرون وجود غطاء أممي ولكنه لا يعتبر ذلك
الغطاء شرطا للتدخل في ليبيا، وأكثر من ذلك هناك أعضاء في الحكومة
البريطانية يعتقدون أن بإمكان بريطانيا فرض ذلك الحظر الجوي بدون مساعدة
أميركية.
نيك
كليغ نائب رئيس الوزراء البريطاني وأحد زعماء الحزب الليبرالي الديمقراطي
البريطاني والذي عرف عنه معارضته الشرسة للحرب على العراق بدون غطاء أممي،
له موقف مختلف من ليبيا هذه المرة. فقد قال لصحيفة إندبندنت البريطانية يوم
الجمعة الماضية إن التدخل في ليبيا ليس بحاجة إلى تفويض أممي.
قال
كليغ مخاطبا محاوره من الصحيفة البريطانية ما نصه "الأمر لا يتعلق بقطعة
ورق تضع توقيعك عليها، بل يتعلق بكون تصرفك ضمن حدود القانون أم لا".
صحراء شاسعة ولكن
الكاتب ينوه أيضا إلى وجود امتعاض بين عدد من أعضاء الحكومة البريطانية
الذين يقولون إن ليبيا بلد مترامي الأطراف وإن فرض حظر جوي عليه بغرض
مراقبة ما يدور في صحرائه الشاسعة أمر ينبغي التفكير فيه مليا.
ويستعرض
الكاتب موقف وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الذي قال في مقابلة مع
صحيفة دايلي تلغراف اليوم إنه قادر على التعامل مع وجهات النظر المختلفة
لأعضاء الحكومة البريطانية.
يذكر
أن موقف بريطانيا وفرنسا متقدم بعض الشيء على الموقف الأوروبي في مسألة
فرض حظر جوي على ليبيا دون انتظار غطاء أممي. يقول الكاتب إن الحكومة
البريطانية بطبيعة الحال تتطلع إلى وفاء الاتحاد الأوروبي بوعده الذي تضمنه
البيان الختامي لقمة بروكسل الطارئة الأسبوع الماضي والذي نص على "دراسة
جميع الخيارات اللازمة"، ولكن الكاتب يعتقد أن بريطانيا لن تنتظر طويلا ذلك
الوعد وأنها قد تتصرف بمفردها.
"
ماثيو دانكونا: الشلل الذي يعاني منه أوباما بخصوص ليبيا يستحق أن نمعن النظر فيه لأنه يجسد حالة شلل تصيب العالم حيال هذه القضية
"الموقف الأميركي
ويتناول
الكاتب الموقف الأميركي بالقول إن رؤية الإدارة الأميركية للوضع لا تزال
مبهمة حيث يسود التناقض بين وزارتي الدفاع والخارجية، فبينما وصف وزير
الدفاع الأميركي روبرت غيتس الكلام عن فرض منطقة حظر جوي بأنه "كلام غير
مترابط" وانتقد كاميرون بالاسم، تذهب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري
كلينتون إلى الاتفاق مع رؤية كاميرون للوضع (وهذا ينجر على زوجها أيضا الذي
ما زال نادما على عدم أخذ مذابح رواندا على محمل الجد عندما كان رئيسا
للولايات المتحدة 1993-2001).
أما موقف أوباما نفسه فقد وصفه الكاتب بأنه يتراوح بين "القوي والمتحفظ".
كان
أوباما قد قال يوم 23 فبراير/شباط الماضي إن "المعاناة وسفك الدماء (في
ليبيا) هي أمور شائنة وغير مقبولة"، وإنه قد أمر الجيش الأميركي "باتخاذ
الترتيبات اللازمة لكافة الخيارات للتصرف إزاء الأزمة".
لكن
أوباما قال الجمعة الماضية إنه يعتبر تمهله في اتخاذ قرار بشأن التدخل في
ليبيا فضيلة وعلامة على أنه رجل دولة، ولم يقدم سوى وعد بـ"إجراءات على
نطاق واسع" ضد القذافي.
شلل عالمي ويمضي
الكاتب في مديح موقف كاميرون من الأزمة في ليبيا بالقول إن الشلل الذي
يعاني منه أوباما بخصوص ليبيا يستحق أن نمعن النظر فيه لأنه يجسد حالة شلل
تصيب العالم حيال هذه القضية، وينوه إلى أن كاميرون بريء من حالة الشلل
تلك.
وعلى
الرغم من أن أوباما ليس مسالما تماما وأنه أول رئيس أميركي لا يطارده شبح
حرب فيتنام، فإنه يعتبر النزاعات المسلحة أمرا من أمور الأزمنة الغابرة
وعملا همجيا.
وقال
أوباما في خطابه عندما قبِل جائزة نوبل للسلام عام 2009 "مهما كانت مبررات
الحرب فإنها لا تجلب سوى الدمار. الحرب وإلى حد ما هي تجسيد لحماقة
الإنسان".
إذا
كانت تلك العبارات والمواقف تبدو للبعض بأنها تعبر عن الضعف، فإنها
بالنسبة لأوباما مصدر فخر، لأنها تعبر عن ما يؤمن به. أوباما يعتبر الوصول
إلى اتخاذ قرار الحرب هو ترجمة للفشل في أسلوب العمل والمبادئ التي يؤمن
بها، وهي التواصل والدبلوماسية وقدرة التصالح التي يجلبها النقاش والحوار.
إرث بوش يقول
الكاتب إن مواقف أوباما هذه تنبع من وعوده بإنهاء الحروب التي ورثتها
إدارته من الإدارة السابقة لجورج بوش، ووضع أميركا في مصافّ جديدة و"تكوين
علاقات جديدة مع العالم على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل".
"
ماثيو دانكونا: آمل
أن يتبع الرئيس خطوات كاميرون كما اتبع كلينتون خطوات بلير في كوسوفو،
لسبب مبدئي واحد هو أن العزوف عن التحرك ليس موقفا محايدا
"يقول الكاتب
إن أسلوب أوباما وأطروحاته قد حظيت بالكثير من التأييد داخل وخارج
الولايات المتحدة، خاصة إذا أخذ بنظر الاعتبار الآثار المترتبة في الذاكرة
الشعبية الأميركية والبريطانية من حربي أفغانستان والعراق. ويتساءل الكاتب:
ولكن ماذا سيحدث لأطروحات أوباما إذا حذا حذو كاميرون وتدخل في ليبيا؟
ويجيب
الكاتب على تساؤله بالقول "آمل أن يتبع الرئيس خطوات كاميرون، كما اتبع
كلينتون خطوات بلير في كوسوفو، لسبب مبدئي واحد هو أن العزوف عن التحرك ليس
موقفا محايدا".
مذبحة سربرينيتشا ويذكر
الكاتب بخطأ وزير الخارجية البريطاني الأسبق دوغلاس هيرد عندما عارض رفع
حظر تصدير السلاح إلى البوسنة وكانت النتيجة مذبحة سربرينيتشا التي راح
ضحيتها ثمانية آلاف بينهم أطفال كثر. ويتعجب الكاتب كيف أن ذكريات تلك
المذبحة المأساوية تلاشت من ذاكرتنا.
ويضرب
الكاتب مثلا آخر على ضرورة التدخل في ليبيا بالقول إنه بعد رواندا قال
الغرب "لن يحدث ذلك بعد الآن" ولكن تلك الصيحة فقط بانتظار المذبحة
القادمة.
وينوه
الكاتب إلى أن القذافي –ونتيجة للتخاذل الغربي- قد استعاد ثقته بنفسه.
ويتساءل: ما الرسالة التي يمكن لذلك التخاذل أن يرسلها إلى القذافي؟ وماذا
سيكون الحال لو ترك ذلك العقيد "المجنون" ليسحق الثوار ويشن ردا دمويا
ويستعيد وضعه الشاذ مرة أخرى؟
ويذكّر
الكاتب بأن القذافي يرأس نظاما سلّح الجيش الجمهوري الأيرلندي وأسقط طائرة
فوق لوكربي، وأن كلا من بريطانيا والولايات المتحدة لن تستطيع تحمل تكاليف
معارك القذافي للبقاء في السلطة.
ويعتبر
الكاتب أن الغرب يجب أن يكون قويا وأن العالم سوف يقف معه. ويستشهد الكاتب
بمقولة لأسامة بن لادن تقول "عندما يرى الناس حصانا قويا وحصانا ضعيفا،
فإنهم بالفطرة سيحبون الحصان القوي"