الموضوع الثاني: عن الزكاة لدعم العمل الإعلامي الفضائي الإسلامي
السؤال
تقدمه: الأمة اليوم بحاجة إلى إعلام ذو اتجاهات إسلامية للمحافظة على هويتها وقيمها وأصالتها ونظراً لما تعلمونه من كلفة الإنشاء والتشغيل التي تتطلبها القنوات الفضائية حيث لابد من استخدام أفضل التقنيات والعناصر البشرية المميزة وإنتاج أو شراء البرامج المناسبة التي تكون محل جذب دائم لنظر المشاهد بهدف المحافظة على المستوى التنافسي أمام القنوات الأخرى وإخراج الرسالة التي نريد بالصورة المناسبة وبناءاً عليه نريد أن نسألكم ما يلي:
هل يجوز الدفع من أموال الزكاة لدعم العمل الإعلامي الإسلامي بقناة الرسالة الفضائية؟
هل يجوز إنشاء وقف ينفق من ريعه على العمل الإعلامي بشكل عام وإنتاج الأعمال الدرامية والوثائقية التي تحتاج إليها الأمة مثل الأفلام التاريخية التي تمجد تاريخ العرب والمسلمين وتدافع عن حضارتهم وتحسن صورتهم أمام العالم، كذلك إنتاج البرامج الحوارية والتنموية والترفيهية الهادفة التي تساعد في بناء هوية الأمة؟
هل يجوز استخدام أموال التطهير والاستفادة منها في دعم العمل الإعلامي الإسلامي وإنتاج الأفلام والبرامج التي تحتاج إليها الأمة؟
: السؤال
بالنسبة للسؤال الأول أقول:
لقد بحثت من قديم في كتابي (فقه الزكاة) مثل هذا الموضوع عند الحديث عن مصرف (في سبيل الله). وقد كان معظم الفقهاء قديما يتجهون إلى أن المراد به: دعم الجهاد العسكري، أي القتال في سبيل الله، بإعطاء المجاهدين ما يحتاجون إليه من نفقات وسلاح وغيره.
وقد رجحت الإبقاء على روح هذا المعنى، وهو نصرة الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، ولكن الجهاد ليس بالسيف وحده، هناك جهاد بالبيان والدعوة، وهو الذي خاطب الله به رسوله في سورة الفرقان وهي مكية إذ قال: {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا} الفرقان: 52. أي بالقرآن، فهذا جهاد، بل جهاد كبير، وهو ليس جهاد بالجيوش والقوة المادية.
وقال صلى الله عليه وسلم: "جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم".
ومن أخطر ما هدد المسلمين، وما حوربوا به في الأزمنة الأخيرة: ما عرف باسم (الغزو الفكري) أو (الاستعمار الثقافي). وهو غزو يستخدم أسلحة شتى ليس فيها المدافع ولا الدبابات ولا الصواريخ. ولكنه يستخدم الكتاب والصحيفة والإذاعة والتلفاز، والقنوات الفضائية، وشبكة الإنترنت وغيرها من أدوات العصر الجبارة.
ولا بد أن نحاربهم بمثل ما يحاربوننا به، كما قال سيدنا أبوبكر لخالد. وهم يحاربوننا اليوم حربا شرسة عن طريق أجهزة الإعلام التي تتطور يوما بعد يوم. واستطاعوا أن يغزوا أجهزة الإعلام في ديارنا نفسها، وأن يوجهوها ? للأسف ? وجهتهم، ويجعلونها تَحْمل فكرتهم، وتُروِّج بضاعتهم، وتتنكر لرسالة قومها وعقيدتهم وقيمهم.
ولذلك كان إنشاء القنوات الهادفة ذات التوجهات الإسلامية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتي تنظر إلى الإسلام وتراثه بعين، وتنظر إلى العصر ومنجزاته بعين: فريضة وضرورة، فريضة يُوجِبها الدين، وضرورة يُحَتّمها الواقع، ويحتمها العصر الذي نعيش فيه.
وإذا لم يكن لدى أصحاب هذا التوجه الخيّر من الأموال ما يكفي للإنفاق على هذه القناة وتطويرها وتعميمها وتوسيع دائرتها، فلا مانع من صرف بعض أموال الزكاة في هذا المجال النافع والمؤثر في نصرة الإسلام والدفاع عن دعوته وأمته، والدعوة إلى رسالته بأساليب العصر، وذلك من مصرف (في سبيل الله).
وقد أصدر مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي منذ سنوات: قراراً بالإجماع يعتبر فيه: الدعوة إلى الإسلام وإقامة مراكز لها، ودعمها، من الجهاد في سبيل الله الذي يجوز أن يصرف له من الزكاة.
ولهذا لا أرى بأسا من دفع جزء من مال الزكاة لدعم قناة (الرسالة) وما في معناها، لتكون كلمة الله هي العليا.
بالنسبة للسؤال الثاني أقول:
يجوز إنشاء وقف يحبس أصله، وتسبّل ثمرته، أي ينفق من ريعه وعائده على العمل الإعلامي الإسلامي بشكل عام، وعلى إنتاج الأعمال الفنية والإعلامية الكبيرة، مثل الأعمال الدرامية والوثائقية التي تحتاج إليها الأمة، مثل الأفلام التاريخية التي تُظْهِر تاريخ العرب والمسلمين على حقيقته، وتُبْرِز ما فيه من فضائل ومآثر، وتدافع عن فتوحات المسلمين وعن حضارتهم الرائدة، التي جمعت بين العلم والإيمان.
وكذلك إنتاج البرامج الحوارية والتنموية والترفيهية الهادفة، التي تسهم في بناء هُويّة الأمة.
ولقد كانت مؤسسة (الوقف الخيري) في تاريخ المسلمين لها أهمية كبيرة، في سد الثغرات، وتحقيق مطالب المجتمع من المدارس والمستشفيات والسبل (مياه الشرب) والتكايا وغيرها. ويَحْسُن بالمسلمين أن يُحيوا هذه السنن.
بالنسبة للسؤال الثالث حول أموال (التطهير) أقول:
كل ما من كسب خبيث، كأموال (الفوائد الربوية) وما شابهها، أو الأموال التي تأتي من المشاركة في الشركات المساهمة التي تعمل في نشاط مباح، ولكن تدخل عليها الفوائد الربوية، عند الاقتراض لمشروع تقوم به الشركة من بنك ربوي، أو عند إيداع فائض سيولتها في بنك ربوي، فعندما يريد المساهم في نهاية السنة أن يطهر الأرباح التي كسبها، وفق ما تشير إليه الميزانية، وعرف المبلغ الذى يجب تطهيره، يمكنه أن يصرفه في جهات الخير.
ولذا نقول: إن كل هذه الأموال يجوز الاستفادة منها في دعم العمل الإعلامي الإسلامي إذا كان في حاجة إليها، لأن مصرف المال الخبيث هو: الفقراء وجهات الخير التي تنفع المسلمين ماديا ومعنويا. ومنها: الإعلام الإسلامي الهادف الذي يقوم عليه أناس ثقات مأمونون بل ربما كان له الأولوية في بعض الأحيان.